قصة ابوالهول:
يوسف ادريس
د.احمد خالد توفيق
جالسون كلا بمكانه بذلك المأتم.. وتلك الافواه المفغورة تتابع ما اقول..فها اا قد تديت معهم عنصر اللامعقولية وبت اقول لهم كا ما ابغي قوله من تفاصيل مزعجة تزهق روحي- بحينها- وحدى ..لذلك فلم اتردد في حكي كيف اننا كنا نتناول الطعا بالقرب من البطون المحيطة..وكيف اننا كنا-بوقت الفارغ..ان كان هناك بالفعل- نلعب الكوتشينة علي صدور الموتي متوقفي الانفس..وكيف انني صنعت ببراعة الكثير من الادوات الكتابية من العظام والجماجم..و تلك الذراع التي اشتريتها من الشمرحة والتي افزعت كل المحيطيين بي من سكان البيت كله ولم تقتصر علي حجرتي فقط..
وفي غمرة انشغالي بالوصف والحكي قال لي (ابو الهول) مفغور الفاه كالباقيين:
_واشتريتها بكام دى يا داكتور؟..
قلت له وانا احك راسي متصنعا التذكر:
_الراجل عرض علي ريال.. وانا معترضتش.
فقال (ابو الهول) متقطع الانفس:
_يا خبر اسود ومنيل.. لما الدراع بالتمن البخس ده يا داكتور..امال جتة البني ادم علي بعضها بكام يا داكتور.
فقلت وانا اهز كتفي لعدم مبالاتي بشراء جثة كاملة:
_ والله.. لسه مجربتش.. بس هي ممكن تساوى كدة..
وحككت ذقني مفكرا في قيمة تليق بمقام الانسان الحر.
_جنيه ولا اتنين..
وانطلق (ابو الهول) ومن يجاوره من الجانبين يتصايحون في اندهاش:
_ شوف يا اخوى.. البني ادم مبقاش في ارخص منه.
ويقول اخر: _عيشنا وشوفنا.
_ ما هو خلاص يا عم..مبقاش في الدنيا خير.
وانطلق اخر يقول:_ دول اكيد عملوا شيء وحش بدنيتهم عشان كدة ربنا غضبان عليهم..
وسألتني ملامح (ابو الهول) الي ما انفكت تتحركت ومن ثم انطق لسانه يقول:
_ الا قولي يا سي الداكتور..هما بيجيبوا الجتت دي –ولا مؤخذة – منين.
والحقيقة التي فطنت لها انني لم اكن اعرف..فسكت برهة لينطق لساني زاعما انها تورد للكلية( مثلما كانوا يفعلون مع الضفادع في الاعدادي). وهنا وقد قرب الشيخ (عبد الحميد) من انتهاء حديثه الذي كان مجمله وصف دقيق لما ينتظر العاصين من سوء العاقبة..فما كان من ختام حديثه الا هاج الناس وماجوا يتنفسون الصعداء.. حيث عثروهم بالكاد علي بقعة من الامل ..فتجلت كلمتهم وتوحدت في (لا اله الا الله) .. فتطلع اليهم الشيخ (عبد الحميد) ليرى اثر كلماته فاركا يده..ففركت يدى راميا –ايضا- اخر السهام بيدى فقلت قاطعا الشك باليقين..
_ حتي انا ممكن ادفع في الجثة خمسة جنيه.. (وابتسمت بمكر مفتعل ..) بس انا فين وهي فين!
ولم ينطق احد وان كان ظهر عليهم انهم تفهموا الموقف.. او لم يتفهموا كما يجب.. وقد حياني احدهم باحترام وذهبت بعدها لمنزلي..
* * *
في الليل سمعت النباح المزعج الذي قلما يتركك لتنام عشر دقائق كاملة دون مساومة منه علي عض احلامك المهترئة والتي ان وجدت بحينها.. فتبينت دقات علي الباب ظننتها –في البدء- من الاحلام المهترئة اياها او لعلها نباح الكلب وقد غير نغمة صياحه ليصير اكثر ازعاجا.. فقمت لاجد ابي يلعن اليوم الذي ادخلني به الطب ..فخوفه الدائم علي من ان اخرج لارى مريضا بذلك الوقت مازال يؤرق احلامه..اما لماذا يفكر المريض في قتل طبيبه فهو شيء لا اتفهمه من والدى ابدا..
فتحت الباب لاجد انسان مظلم تتبين ملامحه المحنية برغم ذلك:
_مسيك با الخير ياداكتور.
ميزت الصوت وان لم اعرف صاحبه بعد ..فقلت وجلا : _ مين؟..
_ اني صالح يا داكتور.
_ ايه دا ..ابو الهول..ايه اللي جابك دلوقت؟..
_ايوة يا داكتور ..ابو الهول.. اني بقالي ساعة عمال اخبط لحد ما الكلاب نبشت رجليا خلاص..وسع كدة يا داكتور..
وتراجعت- برغمي – للوراء فاستدار منزلا الجوال ارضا..قائلا:
_الامانة اهي!
_امانة ايه دي؟..
نظرت له ولم استطع السبر باغواره ولم اره الا مبتسم-وهي المرة الاولي التي اراه فيها مبتسم-اذا الامر جد خطير.. فحكي لي ابو الهول الموقف منتظرا مني اخذه هو والجوال بالحضن:
_ كنت راجع حدانا ع الكفر فلقيت جتة الغريق دي طافية ع المصرف .. فقلت لروحي.. بس يا واد يا ابو الهول.. داالبيه هيفرح اوى.. وخرجتها من المية وحطيتها –جنابك ع الجسر.. وقوم ايه روحت جرى علي بيت (ابو شندى) واخدت منه الشوال ده علي ذمة الطحين يعني.. ورجعت للمصرف سلقط ملقط وعبيت الجتة دي وحملتها وخرمت من الدرة-الصيفي-حدانا عشان محدش من الناس يشوفني يا بيه.. واديني جيتلك اهو ..
واقف انا مذهول من ما يريد ايصاله لمسمعي .. هل هي فعلا الحقيقة؟!..
ووقفت انظر له من كل الاتجاهات علني ابلغ سبر اغواره الميت الان.. فشممت الرائحة الطافحة من الجوال الملقي مذهول لا ادرى ما ساقول له بعد هينة.. فصبر علي كل كلامي لاخره وقال:
_ انت عارف ان طلبك عندينا اوارم يا داكتور.. هو احنا هنخدم اعز منك يعني..خلاص هات اللي تقول عليه..
وغاظني فأمرته بأن يعيد الجثة لمكانها بالمصرف.. فقال:
_طب يا سيدى.. بلاش نضرب في العالي.. هات جنيه واحد.. وخدها.. والعوض علي الله بقا..
وغاظني اكثر (يالا السماجة الحقة) وقال لي:
_ الاه يا اخواتي.. هي الدنيا جرا فيها ايه.. بلاش الجنيه راخر.. هات ريال وربنا يسهلك يا سي الداكتور.. عدنها دراع ..
واخيرا بعدما قربت روحي علي الانتهاء فهم انني لا اساومه قط مطالباايه بإرجاع الجثة للمصرف.. فتجمدت ملامحه ليصبح كالشمع قائلا: _ بقي دا اسمه كلام يا داكتور.. همه الافندية كلهم كدابين كدة –عدم المؤخذه- تحلف كدة يا بيه انك ما قلت ان الجتة يجلها بخمسة جنيه..تحلف.. قلت كدة ولا مقلتش..
وثار بيننا جدال طويل وفي الاخير هددته بأني سأبلغ العمدة في اول شيء سافعله في الصباح فقال غاضبا.. (وكأنما هو غاضبا ابدا):
_ طب ورحمة ابويا (محمد ابو صيام) ماني مرجعها واعمل بقا اللي يجي براسك..ورحمة ابويا (محمد ابو صيام) لاسيبها وامشي..
وقد اقلق نباحنا مسامع ابي..فوجدته قلقا علي باب حجرته:
_ هو ايه اللي حصل.. في ايه؟..
فذهب اليه راجيا اياه الا يتعب نفسه..محاولا اقناعه ان المسأله سهلة الا انه قد لمح –للاسف- صالح واقفا علي عتب الباب فقال:
_ الواد دا عايز ايه.. دا حرامي ابن حرامي.. ايه اللي جابك يا واد انت هنا دلوقت.
قالها والدة متجها الي الباب ليطرده بنفسه فما كان منه الا انه تعثر في الجوال الملقي ارضا- يالا سوء الموقف- فقام والدى وهو يتحسس الجوال من احدى مواضعه قائلا لصالح:
_ انت سارق بطيخ يا له.. طب والدكتور ماله..تجيب البطيخ دا لهنا ليه.. انت مجرم صحيح.. وانفك الجوال مع والدي ليصرخ واقعا علي الارض عندما ادرك الحقيقة فأندفعنا نسنده وادخلته انا للغرفه وجئت لصالح الذي وجدته صامتا جالسا في تأثر عميق ومن ثم قال : _ يا خبر اسود ومنيل.. دي كت شورة ايه دى.. سلامته يا سي الداكتور ..
وقبلما انطق ببقية النباح وجدته يربط رباط الجوال من جديد ويمتطيه علي ظهره طالبا العون الهين فساعدته لكنه كان قد حملها كالليث قائلا بخزى صريح :
_ يا خرابي يا ولاد.. دا الواحد خزيان من روحه..اللهم ما اخزيك يا شيطان.. واني اللي كنت فاكرك هتخدني اني والشوال ديه بالحضن يا داكتور..
_ معلش يا صالح ..تتعوض المرة الجاية..
_ ياسيدى متخدش في بالك.. اصلها ان طلعت ولا نزلت ..شوال وخلاص.. يا شيخ قول يا باسط..
ومع حمله للجوال وعند مغادرته للباب الخارجي نظر الي مرة اخيرة لائما اياي بقوله:
_ بس افتكر يا داكتور.. بذمتك ودينك وبالامانة يا شيخ.. قلت كدة ولا مقلتش.
تمــــــــــ بحمد الله ـــــــــــت..
زهره حبيسه
28-4-07
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق